top of page
Featured Posts
Recent Posts
Follow Me
  • Facebook Long Shadow
  • Google+ Long Shadow
  • Twitter Long Shadow
  • LinkedIn Long Shadow
Search By Tags
Pas encore de mots-clés.

هـــوان أمـــــــــة


* زهران بن زاهر الصارمي

حاولت كظم غيظي و النأي بذاتي و قلمي عن الحديث في المحرمات أو الطابوهات التي قد تُغيِّب من يتجرأ بالحديث عنها خلف الشمس ، و لكن السكين بلغ عظمي فانفلت الأمر من يدي و تجاوز قدرتي على كبح طوفان الألم و الغثيان الذي أستشعره يجتاح كياني و يغمرني بموج المرارة و القهر و الأسى على أحوال هذه الأمة التي بلغت في مذلتها و هوانها على نفسها حداً ليستعصي على العقول قبوله و هضمه ، و على السمع و العين تصديقه ، و على الحس و الشعور الحي تحمله .. فحاكم مستبد هو اللي " ما فيش أيُّه أي و لا زَيُّه زي،و يا دنيا انهدِّي ، ما خلقش فيكِ أدِّي " ... فبئس التابع الأمَّعة، الأعمى البصيرة و البصر ، و بئس المتبوع الذي انقاد لشهوة السلطة و الحكم ، فتحت أي ظرف كان هو فيه ، لا يرى الجدارة في أي فرد من أفراد شعبه ، .. لا أحد في نظره من هو أهل لأن يمسك بزمام سوائمه _ عفواً قصدت رعيته _ غيره ؛ لا شيء عنده اسمه الوطن ، لأنه هو الوطن ، فإن غاب أو انتهى ، غاب معه و انتهى الوطن ... لا يعرف شيئا غير أنه يعيش في مزرعته وإقطاعيته، فمن له الحق في الإشراف عليها و تسيير أمورها و أمور الأنعام ، ( عفواً مرة أخرى ، قصدت الأنام) فيها غيره ؟! ... لا يعرف شيئا اسمه التغيير أو التطوير اللازم للأوطان و الإنسان ، أو تجديد الدماء لبعث الحياة في الأوصال المتخشبة المنهكة المتهالكة ؛ و إن عرف ذلك ، فمن يقدر عليه غيره ، و من يبدع فيه إبداعه . فالكل في نظره رعاع و من سقط المتاع ، و هو الفرد الصمد ( استغفر الله ) الذي لديه ملكة التفكير و التدبير، التي لا يضاهيه فيها أحد....و هو محق كل الحق في نظرته الدونية لهم ، فلو كانوا غير ذلك لما أعادوا وضع الصولجان الذي يهشهم به في يده ، و لما ارتضوا على أنفسهم أن يحكمهم _من فرط شخوخته و المرض _ مقعد مشلول ... و الأخطر من ذلك و الأكثر إيلاما أن تلك المهزلة و الهزالة ، و ذاك الركوع و الخنوع و الانبطاح ، حدث في بلد قدم ذات يوم مليون شهيد من أجل نيل حريته و استقلاله ، فصار لا يأنف من تسليم قياده لمن هو في حكم الأموات ؛ " هزلت ، و من هزالها بان كلاها و سامها كل مفلس "...

و حاكم آخر من حكامنا المجَلين، المبجِلين لشعوبهم ، يعفو ، و يمنح " الحرية " لسبعة آلاف و مئة 7100 سجين تهللاً و تيمنا بختان نجله المحروس ، و يطلب من شعبه إقامة الأفراح ، و إحياء الليالي الملاح بتلك المناسبة الوطنية العظيمة !! فصار عنده ثمن الحرية و الفرح لشعبه ، الجلدة المقطوعة من " ذَكَرِ " ابنه !!! ... و حاكم آخر صار نيرون عصره،أبى إلا أن يقيم عرشه على جماجم الأطفال و النساء و الرجال من شعبه ، ليثبت للعالم بأنه يمثل قمة الصمود والوطنية ، و النموذج الذي لا يضاهى في القيم و المبادئ الثورية ، فليست قضية إن يُحرق البلد ، و يُباد الحرث و النسل فيه ، وتُسوّى مدن الحضارة بالتراب ، فداء له و لكرسي حكمه ؛ المهم عنده والأهم ، هو بقاؤه على رأس الهرم الذي لا يليق به غيره .

و حاكم آخرغيره تحول كالبهلول في لباسه ، و كأصحاب السيرك في حركاته ، و كالأحمق المعتوه في كلامه ، و من أشهر أقواله الخالدة و الدرر التي كان ينثرها على شعبه : " المرأة أنثى و الرجل ذكر... الموت إن كان ذكراً نخافه ، و إن كان أنثى فلا ينبغي الخوف منه ...السجن 5 سنوات لمن يقتل نفسه حرقاً...بر الوالدين أهم من طاعة أمك وأبوك (و ليس حتى أبيك !)...البلاك بيري ممنوع سواء كان سامسونج او نوكيا ...تظاهروا كما تشاءون ولكن لا تخرجوا إلى الشوارع والميادين ... أيها الشعب ! لولا الكهرباءلجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام !!" ... و ظل يحكمشعبه على ذلك المنوال و بتلك الأقوال أكثر من أربعين سنة و الجماهير من حوله تصفق له و تسبح بحمده .....

و عندما صحا هذا الشعب يوماً و استفاق من غفلته و من التخدير الذي كان يغيبه عن الحياة ... أرغى و أزبد ذلك الحاكم الأراجوزة ، و قال لهم : " من أنتم أيها الجرذان ؟! "

و حكام آخرون ، يستحوذون على ثروات بلدانهم و يتقاسمون خيراتها مع رهطهم و حاشياتهمو بطاناتهم ، يعيشون في نعيم الحياة وبُلهنية العيش ، و شعوبهم تلعق التراب ، في جحيم الحاجة والفاقة و الشقاء ؛و إن قامت حكوماتهم بأي عمل أو مشروع في البلد ، ضج إعلامهمالأصفر بالتهليل و التكبير، و بالحمد و الثناء للمكرمات الملكية السامية التي و هبها الراعي الرحيم الكريم لرعيته ... و الرعية تقدم فروض الطاعة و آيات الامتنان و الشكر على العطاء الجزيل .

حال ذكرتني بقصيدة أبي الطيب المتنبي التي قالها قبل قرون ، فما أشبه الليلة بالبارحة:

فؤادٌ ما تسليه المدام و عمرٌ مثلما تهب اللئامُ

و دهر ناسه ناسٌ صغارٌ و إن كانت لهم جثثٌ ضخامُ

أرانب غير انهمُ ملوكٌ مفتحةٌ عيونهم نيامُ

بأجساد يحر القتل فيها و ما أقرانها إلا الطعام

و خيل ما يخر لها طعين كأن قنا فوارسها ثُمام

و شبه الشيء منجذبٌ إليه وأشبهنا بدنيانا الطغامُ

و لو لم يعلُ إلا ذو محلٍ تعالى الجيش و انحط القتامُ

بأرض ما اشتهيت رأيت فيها و ليس يفوتها إلاّ الكرامُ

و أنا أستعرض تلك الأحوال البائسة المبكية التي آلت إليها بلداننا العربية مع حكامها المستميتين بكراسي الحكم حتى النزع الأخير ، طاف بخلدي رموز قيادات عالمية ضربت مثلا أعلى في التخلي عن الاستبداد و الاستعباد و الأنانية ؛ فذاك البطل المناضل نلسون مانديلا الذي قضى في الاعتقال سبعا و عشرين سنة ، ثم جاء به شعب جنوب إفريقيا بكل أطيافه إلى الرئاسة ، عرفانا بنضاله و تضحياته ، و استحقاقا له على قيادته الفذة ، ما كان منه ، بعد خمسة أعوام فقط ، سوى التنحي طواعية عن الحكم ، و تسليم الرئاسة لمن ارتضاه الشعب بعده .

و النموذج الثاني في الإيثار و نبذ الأثرة في الحكم ، هو ذاك القيادي الفذ محمد مهاتير رئيس وزراء ماليزيا ، الذي جعل من بلاده ، خلال 22 عاما فقط ، واحدة من أعظم النمور الآسيوية في نهضتها الاقتصادية و العلمية ، ما كان منه هو الآخر إلا أن تنحى عن الحكم ، و هو مازال في قمة عطائه و إبداعه . و الشخصية الأخرى هو ذلك البرازيلي "الزبّال "، لولا دا سيلفاالذي انتخبه شعبه لرئاسة البرازيل في دورتين متتاليتين ، والذي أحبوه إلى حد تسميته “ابن البرازيل” و من حبهم له و تقديرهمإياه لإنجازاته الوطنية الرائعة ، ألح عليه الشعب لتغيير الدستور كي يسمح له بولاية ثالثة ، فقال لهم في لحظة بكى فيها الجميع ، أنه لن يقبل أن يسن سنة قد تأتي عليهم ببلاء الدكتاتورية .!!


و أولئك هم الحكام في دول الديمقراطيات الغربية ، لهم فرصتان لا تتجاوزان الثمان سنوات ، بعدها يفسح كل منهم المجال لغيره ليجدد الدماء في شرايين الدولة والأمة ، و يعيد لجسدهاالنشاط و الرواء و الحيوية

أين حكامنا العرب من ذلك الشموخ و السلوك الإنساني الرفيع و البديع ، أين هم من ذلك النبل و السمو الذي تتضاءل أمامه كل صغائر الأنا و حِطة الإقصاء و صفات الجشع و الطمع و النظرة الدونية للبشر ، أين هم من تبجيل تلك الرموز الرائعة لشعوبهم ، و احترامهم العظيم لأوطانهم و مواطنيهم .

لقد أبدع حكام عالمنا العربي أيما إبداع في خلق بطانات الفسادو حاشيات العفن ، التي صارت تحيط بكل منهم كالسوار ، بل كالجدار الناري ، و أصبحت ، في العمر المتقدم للحاكم ، هي الحاكم بأمره ، و هي الآمر الناهي في البلاد و العباد ، و هو مجرد واجهة أو صورة و صنم .

إن هذا التشبث الشرس العنيف الذي يبديه هؤلاء الحكام بالحكم ، و هذه الأظافر التي ينشبونها في عرشه ، تمثل خير مؤشر و دليل على خوفهم المميت من يوم حساب الشعوب لهم على ما اقترفوه في حقها من جرائم ، و من سطو و نهب ومصادرة للحقوق و الحريات ... فهم بقدر تشبثهم و استماتتهم في البقاء على عروشهم ، بقدر ما يدينون أنفسهم بمزيد من الأدلة على فسادهم و مظالمهمو عدم أهليتهم للقيادة و المسؤولية .

و مع كل تلك الصورة القاتمة السواد، التي تتصدر المشهد في بلداننا العربية من محيطها إلى الخليج ، إلاّ أن التغيير قادم قادم لا محالة ، و لا مهرب منه و لا محيص أو مناص ، طال الزمان به أو قصر ، فالتغيير و التطور سنة الله في خلقه " و لن تجد لسنة الله تبديلا " ؛ فحتمية التغيير و التحول في أوضاعنا السياسية المتهالكة كحتمية تحول الماء من حالته السائلة إلى حالته الغازية ، أينما وضعنا كمية منه، فوق النار أو تحت الشمس أو في الظل ؛ و هذا الاحتقار و الاستغفال الذي يمارسه هؤلاء الحكام في شعوبهم ، سيعجل حتماً من حدوث التغيير ، مهما بلغت آلتهم الجهنمية من قدرات في المكر و الخبث و الدهاء و التدجين و شراء الذمم ، فقد شبت الشعوب عن طوقها ، و ليس بوسع كائن من يكون احتواءها بدون رضاها إلى ما لا نهاية ...و ما الانتفاضات الجماهيرية الراعدة التي شهدتها البلدان العربية منذ نهاية العام 2010 ، و التي ما زالت ارتداداتها مستمرة حتى اليوم ، سوى مقدمة للإعصار الناري القادم ، الذي سيجتث من الأعماق العروش المهترئة ، و يحرق الأدران التي تخلفها من ورائها ، و يطهر أديم الأرض منها و من طفيلياتها و الديدان .


*باحث

Abu-shamsan@windowslive.com

صورة المقدمة للفنان رائد أبو زهرة "نقش على خشب زيتون"

bottom of page